الرئيسية - تقافة وفن - إشكالية التصوير والتجنيس في المنامات الصوفية
إشكالية التصوير والتجنيس في المنامات الصوفية
الساعة 05:29 مساءاً (الميناء نيوز - متابعات )
ضمن منشورات باب الحكمة في تطوان في المغرب، صدر مؤخراً كتاب مهم معنون بـ«المنامات الصوفية التجنيس والتصوير» للباحث المغربي محمد أحمد أنقار، ويقع هذا الكتاب في 324 صفحة من الحجم الكبير، وتتجلّى أهميته في معالجته لمتْن قلما تلتفت إليه الدراسات الأدبية، ألا وهو المنامات الصوفية، في ارتباط بحظوة الشعر عبر مساره التاريخي بالاهتمام النقدي، في الأدب المغربي خاصة، والعربي عامة، على حساب السرد وما يتفرّع عنه من أنواع، الذي صنّف الأدب إلى رفيع وآخر أدنى درجة، وامتدت المفاضلة إلى الأنواع السردية نفسها؛ إذ حظي بعضها بالاهتمام، وظلت أخرى مهمشة، كالمنامات والمرائي، التي لم يُعترف بها، ولم تُدرج ضمن أصناف الإبداع الإنساني، على الرغم من حضورها اللافت في عدد كبير من المصنفات، على اختلاف مرجعياتها، ناهيك من كون المنامات تتراوح بين: منامات بوصفها نصوصا سردية مستقلة وقائمة الذات ومفصولة عن غيرها، مثل: منامات ابن أبي دنيا، ومنامات الوهراني، ومبشرات ابن عربي، ومرائي الحسان لابن أبي جمرة الأندلسي، ومرائي الشيخ محمد المعطي الشرقاوي، التي اختارها متنا للاشتغال في هذا الكتاب، ومنامات تتضمنها أخبار وتراجم ومناقب حكايات وسير؛ بمعنى أن هذا الصنف ليس مستقلا إذ يرد ضمن نصوص أخرى. ما يجعل المنامات تطرح إشكالات مرتبطة بتجنيسها وعلاقتها بالأدب. انطلق محمد أحمد أنقار في هذا الكتاب من إشكالين، إشكال التجنيس وإشكال الصور في نصوص المنامات والمرائي، طرحهما على شكل سؤالين: ما الذي يجعل نصوص المرائي تندرج ضمن عولم السرد؟ ما الإمكانات الفنية والجمالية التي تختزنها نصوص المنامات والمرائي الصوفية بالأساس؟ السؤال الأول ينشغل بتجنيس المنامات انطلاقا من شكلها ومضمونها، أما الثاني فله صلة بإشكال التصوير. إلى جانب هذين السؤالين طرح أسئلة أخرى لا تقل أهمية منها: هل يمكن الاطمئنان فحسب إلى المكونات السردية الثابتة من راو ومروي ومروي له؟ هل ثمة مكونات أخرى، قد تتضمنها المرائي؟ ما المسوغات التي يمكن الاستناد إليها لوسم المنامات والمرائي بأنها نصوص أدبية؟ وما حدود التداخل بين ما هو أدبي وما هو صوفي؟ وما المقاصد المعلنة والمضمرة في مثل هذه النصوص؟ فرضَت الإجابة عن هذه الأسئلة على محمد أحمد أنقار، اتباع خطة منهجية تمثّلت في التّحليل الأسلوبي للمنامات وللمرائي، بالاستناد إلى تكوينها الجمالي والفني، والعودة إلى سياقاتها النوعية واللغوية والبلاغية، بدون إغفال دور التلقي. قدّم الفصل في الأول توطئة تاريخية عن المرائي، مركزا على المقومات الأدبية للرؤيا الصوفية، انطلاقا من ثلاثة سياقات: النوع والتلقي واللغة. بينما تطرق في الفصل الثاني إلى الحدود اللغوية للفظة الرؤيا، والاختلافات والتوافقات القائمة بينها وبين ألفاظ أخرى، من قبيل الحلم والبشارة، بعْد ذلك انتقل إلى الحديث عن الحدود الخاصة والحدود العامة للرؤيا، انطلاقا من إشكال تجنيس هذه النصوص. أما الفصل الثالث فقد انشغل فيه بالمكونات التصويرية في كتاب المرائي. منها مكون التخييل الذي شكل العماد الأساس والرابط بين المكونات والسمات، والبعد الخارق وحدوده الإنسانية، في بعض مرائي الشيخ محمد المعطي. فتبين للباحث أن هذه النصوص تستند إلى التداخل بين المألوف وغير المألوف، والمزج بين عالمين متناقضين، عالم الواقع والحس، وعالم الخوارق المنفلت من ضبط العقل وقوانينه. كما وقف عند مكون آخر حاضر في مرائي الشيخ، ويتمثل في البعد الإنساني، إذ كشف البحث عن مناحي التصوير الإنساني المتعدد؛ نفسيا وروحيا وحياتيا. وعرض في الفصل الرابع أنماط التصوير في مرائي الشيخ، بالكشف عن ملامح التصوير الروحي وتجلياته، من خلال التركيز على قضية أساس في الخطاب الصوفي محبة الرسول، إلى جانب ذلك وقف عند نمطين لا يقلان أهمية وحضورا في المرائي، وهما التاريخي والاجتماعي. وفي ختام الكتاب انتهى محمد أحمد أنقار إلى مجموعة من النتائج منها: – شكل التخييل مكونا تصويريا قويا في مرائي الشيخ محمد المعطي، في اللغة وفي الأحداث، وفي الشخصيات، وفي الفضاءين الزماني والمكاني، بالإضافة إلى تداخل التخييلي بالواقعي، وقد بدا ذلك، من خلال التصوير الروحي والوجداني للإنسان بطرق فنية شتى. – يبرز البعد الحارق بشكل جلي في بعض مرائي الشيخ محمد المعطي، التي تستند إلى التداخل بين المألوف وغير المألوف، وإلى المزج بين عالمين متناقضين؛ عالم الواقع والحس، وعالم الخوارق والمجهول. – تمثل المكون الآخر البارز في مرائي الشيخ محمد المعطي في البعد الإنساني، اتخذ التصوير مناح متعددة؛ نفسيا وروحيا وحياتيا، بتصوير المتصوف في كل حالاته الواقعية والوجدانية والروحية. – إن مثل هذه الأنماط من الصور في مرائي الشيخ محمد المعطي، خلاصات جمالية وإنسانية صادقة ومعبرة عن عالم شفاف وغامض ومثير ومحير. عالم يتداخل فيه التخييل بالواقع والمألوف بغير المألوف.
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص